سيرة مسيرة

ما اعرفش أنا في انهي صفحة.. وما اعرفش فاضل كام لحد الجلدة.. كل إللي اعرفه إن كل يوم بصفحة، وفي أخر اليوم بتتقلب الصفحة ولا يعود ينفع يتكتب عليها.
ما فاكرش كل إللي إتكتب.. بس في سطور لسة سيرتها مكملة  معايا.. وفي سطور محفورة في الصفحة، وفي صفحات من كتر ما قريتها بيتفتح الكتاب عليها..
مش عارف العنوان إللي هايتكتب عَ الغلاف هايكون إيه!
كل إللي اعرفه إنه بيكون مميز ما شابهش غيره، مش لازم يتشهر بين الكتب لكن إللي يدور  هايلاقيه في المكتبة..
ما اعرفش تصنيف رف الكتاب هايكون إيه! لكني باسعى عشان بتصنف تحت “أدى غرضه” أو حتى “مفيد وملهم”.. خوفي بعد التعب ده يتسْكّن تحت “قصص مكررة” أو “كتب لمضيعة الوقت”
صراعي ما هواش مع عنوان الغلاف ولا مع التصنيف.. صراعي الحقيقي مع كل صفحة.. معاركي الكبيرة بتكون لما ارقام الصفحات بتزيد بمضاعفات ال ٣٦٥.. صراعي مع إللي بيتكتب وإللي إتكتب بحارب في صفحة اليوم وأنا بحضّر عنوان الصفحة إللي جاية.. سطوري حاملة ضحك وبكا وخوف وشغف وتصالح مع النفس.. ومن بين كل المواضيع دي بحاول أحاول أحط خط مشترك ينفع تسكن فيه خواطري كعناوين فرعية.
فاكر إني حوزتي للكتاب تمنحني حق قلب صفحاته! ناسي إن كل صفحة رحمتها جديدة كل صبح وقلبتها إحسان.. فاكر إن القصة بتحكي عني لكن في الواقع إن واقعها بيحكي عن السندة والإحسان والمعية.. فاكر إني كاتب قصتي وسطوري مكتوبة تحت نوري لكن في الأصل القصة هي سيرة مسيرة النعمة مع إنسان.

يا مالك كتابي
يا مانح صفحاتي الجديدة رحمة
أنا هنا لغرض وبسعى إليه..
فاجعل عيني وغرضي يتلاقو مع قصدك
لاسعى سعي لا تخجل منه صفحاتي
حينها يكون تصنيف كتابي وعنوانه هم أفضل ما قد يكون.
لك صفحتي تلك وما يلها إن وجدت.

٣١ يناير ٢٠٢١

شاي مُر

tea

على نفس الخلفية الموسيقية التي وُلِدَت على صوتها معظم سطوري … نفس لوحة المفاتيح السوداء التي عشقتها أناملي … نفس المكتب البني .. و الضوء

الأبيض … أعلى يمين المشهد  تسكن  “كوباية” شاي إنجليزي .. البخار يتصاعد وكذلك الموسيقي .. تختلط نقرات الحروف مع العود الشرقي والبيانو … تنطلق المعاني من الداخل تكتسي بكلمات منمقة في جمل متتالية .. تنطلق الفكرة بلا توقف تسير بسرعتي على تلك الحروف المتناثرة في لوحة سوداء .. تنتهي الفكرة  وكذلك الفقرة .. أنتبه للموسيقى .. تمتد يدي اليمنى لتمسك بالكوب بينما أعدل بيدي اليسرى حرف خطأ .

إنها الرشفة الأولى .. الأسخن دائما .. لكنها مرة هذه المرة .. الرشفة التالية أكدت المرارة … أين ذهب السكر ؟ .. أين كان عقلي عندما سمحت لنفسي بنقل الكوب إلى مكتبي .. كيف رحلت دون سكر ؟ … إنها عشرون خطوة بيني و بين السكر … لكنها تساوي الكثير .. قد تطير الفكرة قد يختفي تأجج مشاعرها .. قد تموت الصفحة ناقصة فقرة … صفحة  مكتملة مع شاي مُر أفضل من شاي حلو مع تشوه كَلَّمي.

أكملت الكتابة والشرب معا … فلن يموت من يشرب شاي مُر .. لكن الأفكار تموت إن لم تسكن سطورها .. تصاعدت الأفكار وتسارعت الموسيقي و تناقص الكوب .. توالت الفقرات و أكتملت ذروة الفكرة .. إنها الفقرة الأخيرة التي أودِّعُ فيها الفكرة بضمير مستريح .. إنها السطور الأخيرة التي ستنتهي بتوقيعي والتاريخ والزمان والمكان ،عناصر وشهود ميلاد صفحة … إنها الكلمات الأخيرة و كذلك الرشفات الأخيرة .. السعادة ترتسم والفكرة تكتمل و الشاي يزداد حلاوة … في لحظة تركيز خارج الشاشة رأيت السكر الأبيض في القاع .. تذوقت أحلى أخر رشفة .. لم يكن الشاي مُرا .. كل ما في الأمر أن العناصر لم تتداخل معا جيدا … لم يكن السكر خارج الكوب .. لكنه لم يأخذ فرصة ليفعل مفعوله .. لم يكن الشاي مُرا .. أنا فقط نسيت أن أدمج ألوان اللوحة على ورقة واحدة … لم يكن الشاي مُرا .. أنا فقط لم أدرك حقيقته الكاملة منذ الرشفة الأولي .. لم يكن مُرا .. فقط السكر لم يظهر إلا في النهاية …

في إنتظار النهاية .. حيث السكر يملأ القاع.

Samuel G. Basta

26 Nov 2014 Cairo