مطب في مطلع قصيدة

أؤمن بالبدايات، فكم من كتاب أوقفني امام رف المكتبة بالساعات لمجرد أن بدايته أجبرتني على الإستمرار .. كم من فقرة عابرة في كتاب تمضي صفحاته بين يدي سريعا أوقفتني لأقرأ بتمعن … إنه فن الحفاظ على العابر من البداية وحتى النهاية.

لازلت أذكر قصيدتي الأولى التي لا أتذكر كلماتها،كنت في العاشرة وبسخرية من نتيجة إمتحان قلت بيتا شعريا كان هو بداية قصيدة من عشر أبيات كُتبت على ورقة (من نص الكشكول)، لازلت أذكر كيف أن مياه الدش الساخن كانت شاهدة على ميلاد فقرة البداية النارية لمقالة بعد منتصف الليل بساعة … إنها البدايات التي تجعلني أبحث عن أي شئ يأوي كلماتي قبل أن تهرب في أخاديد الذاكرة ، إنها البدايات التي تطلق شرارة اللغة في داخلي فتخرج الكلمات بمعانيها تلك الشرارة التي لا تتوقف إلا عندما أوقِّع في السطر الأخير.

لم تكن تواجهني مشكلة مع البدايات … كان السؤال الأهم بالنسبة لي كيف سأُنهي .. عند أي فكرة ستتوقف السطور ، كيف ستخمد النار ، كيف سيتوقف النسر عن التحليق ، أين سينته البطل .. لم أكن إعطي إنتباها للبدايات لأنها كالزائر المُحبَّب مُرحب بها دائما في أي وقت ،فقط أترك إذني متيقظة لصوت خطواتها على باب الذهن .. كان ما يؤرقني أحيانا كيف سيرحل ذلك الزائر المحبب من ساحة الذهن؟

لكني اليوم أواجه قصيدة أبدية  لا أعرف كيف سأكتب كلماتها الأولى … أرى الطريق سهلا بلا نهاية أراه ممتعا في منتصفه وأكثر جاذبية كلما تقدمت .. لكني أقف مع كلماتي و أفعالي وتراكيبي اللغوية امام “مطب في مطلع قصيدة” .. إنه “مطب” البيت الأول … ماهي كلماته ؟أين موقعه؟متى توقيته؟ .. هل سأتخدم نفس الحروف المعتادة ؟

إنها معضلة أهم ما سأكتب .. البداية ! إنها الشرارة التي أريد تخليدها في كلمات تبقى وإن رحلت … إنها كلمات أحاول بها أن أصف أعمق زوايا القلب .. مطلع قصيدة أبحث له عن كلمات لم تستخدم من قبل ،أفعال ولدت اليوم في عالم اللغة … حروف ليست من أبجاديات البشر … فكلماتنا المعتادة وحروفنا المعروفة أقل بكثير من تصف ما أريد قوله … كيف أقول كلاما قِيلَ من قبل ؟ كيف يصف فعلا ظل ما أفعله ؟!

إني أعتبر نفسي فاشلا في التعبيرعندما أقول “الفعل في مصدره” … فكيف لفعل من حرفين يصف قلب لا أعرف آخره ؟ .. إني أرى القصيدة ساكنة بين رفوف الكلام لكنها بلا مطلع !

فبداية أهم ما سأكتب تتَطلب كلمات لم تُوجَد بعد.

Samuel G. Basta

29 Nov 2014