على نفس الخلفية الموسيقية التي وُلِدَت على صوتها معظم سطوري … نفس لوحة المفاتيح السوداء التي عشقتها أناملي … نفس المكتب البني .. و الضوء
الأبيض … أعلى يمين المشهد تسكن “كوباية” شاي إنجليزي .. البخار يتصاعد وكذلك الموسيقي .. تختلط نقرات الحروف مع العود الشرقي والبيانو … تنطلق المعاني من الداخل تكتسي بكلمات منمقة في جمل متتالية .. تنطلق الفكرة بلا توقف تسير بسرعتي على تلك الحروف المتناثرة في لوحة سوداء .. تنتهي الفكرة وكذلك الفقرة .. أنتبه للموسيقى .. تمتد يدي اليمنى لتمسك بالكوب بينما أعدل بيدي اليسرى حرف خطأ .
إنها الرشفة الأولى .. الأسخن دائما .. لكنها مرة هذه المرة .. الرشفة التالية أكدت المرارة … أين ذهب السكر ؟ .. أين كان عقلي عندما سمحت لنفسي بنقل الكوب إلى مكتبي .. كيف رحلت دون سكر ؟ … إنها عشرون خطوة بيني و بين السكر … لكنها تساوي الكثير .. قد تطير الفكرة قد يختفي تأجج مشاعرها .. قد تموت الصفحة ناقصة فقرة … صفحة مكتملة مع شاي مُر أفضل من شاي حلو مع تشوه كَلَّمي.
أكملت الكتابة والشرب معا … فلن يموت من يشرب شاي مُر .. لكن الأفكار تموت إن لم تسكن سطورها .. تصاعدت الأفكار وتسارعت الموسيقي و تناقص الكوب .. توالت الفقرات و أكتملت ذروة الفكرة .. إنها الفقرة الأخيرة التي أودِّعُ فيها الفكرة بضمير مستريح .. إنها السطور الأخيرة التي ستنتهي بتوقيعي والتاريخ والزمان والمكان ،عناصر وشهود ميلاد صفحة … إنها الكلمات الأخيرة و كذلك الرشفات الأخيرة .. السعادة ترتسم والفكرة تكتمل و الشاي يزداد حلاوة … في لحظة تركيز خارج الشاشة رأيت السكر الأبيض في القاع .. تذوقت أحلى أخر رشفة .. لم يكن الشاي مُرا .. كل ما في الأمر أن العناصر لم تتداخل معا جيدا … لم يكن السكر خارج الكوب .. لكنه لم يأخذ فرصة ليفعل مفعوله .. لم يكن الشاي مُرا .. أنا فقط نسيت أن أدمج ألوان اللوحة على ورقة واحدة … لم يكن الشاي مُرا .. أنا فقط لم أدرك حقيقته الكاملة منذ الرشفة الأولي .. لم يكن مُرا .. فقط السكر لم يظهر إلا في النهاية …
في إنتظار النهاية .. حيث السكر يملأ القاع.
Samuel G. Basta
26 Nov 2014 Cairo